بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين أما بعد , سنتحدث اليوم إن شاء الله تعالى عن شخصية ذاع صيتها في التاريخ الإسلامي، وهو " الحجاج بن يوسف الثقفي "
هو رجل من أمة الإسلام طبقت شهرته الآفاق وتواترت أقواله وأفعاله عبر العصور والآجال، فيندر أن تقرأ كتاباً في الأدب الإسلامي ولا يرد فيه ذكر الحجاج ....
مولده ونشأته :
ولد الحجاج بن يوسف الثقفي في الطائف عام الجماعة (41 هـ ـ 661 م)، ونشأ بين أسره كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلاً تقياً قضى معظم حياته في الطائف يعلم أبناءها القرآن دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجراً؛ فتعلم منه الحجاج القرآن الكريم وأخذ يعلم الناس شأنه شأن أبيه، وأمه هي الفارعة بنت همام بن الصحابي عروة بن مسعود الثقفي.
كان الحجاج من أفصح الناس، وقال عنه النحوي أبو عمرو بن العلاء: « ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج »
حياته :
ارتحل الحجاج الى دمشق فالتحق في خدمة " روح بن زنبا " وكان
وزير عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك بن مروان يشتكي من عدم نظام جنوده وعدم
طاعتهم لأوامره؛ فقال له روح
: « عندي رجل توليه ذلك » وأشار عليه بالحجاج، وكان ذلك بداية ظهور نجم الحجاج عند عبد الملك بن
مروان، وعرف عن الحجاج لشدة بأسه؛ فاستطاع أن يضبط الجيش، ويقبض عليه بقبضة من
حديد.
ثم كلف عبد الملك بن مروان الحجاج بالتوجه إلى مكة
لحصار بن الزبير، وحاصر بن الزبير حتى قتله، وهنا يزعم بعض الكذابين بأن الحجاج قد ضرب الكعبة بالمنجنيق حتى هدمها،
وهذه الفرية رد عليها شيخ الإسلام، فيقول في الجواب الصحيح (5|264): «والحجاج بن
يوسف كان معظما للكعبة لم يرمها بمنجنيق». ويقول في الرد على المنطقيين (1|502):
«والحجاج بن يوسف لم يكن عدوا لها ولا أراد هدمها ولا أذاها بوجه من الوجوه ولا
رماها بمنجنيق أصلا».ونتيجة لانتصار الحجاج؛
ولاه عبد الملك بن مروان على الحجاز، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة، فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزماً وعزماً في إدارته.
بعد أن أمضى الحجاج قرابة عامين واليًا على الحجاز،
كلفه الخليفة عبد الملك بن مروان بالتوجه الى العراق ليمهدها ويقضي على الثورات
والفتن؛ وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج
إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج
للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج،
وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم، فدخلها الحجاج وخطب فيم خطبته
المشهورة في كتب التاريخ : « يا أهل العراق يا أهل
الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتي إليكم وقد
كنت أدعوا الله أن يبتليكم بي .... إلخ »
وأقام الحجاج في العراق قرابة العشرين سنة وحشد الناس
للجهاد حتى انتصر عليهم وقطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام واستئناف حركة
الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث
بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه
جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة
حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.
وخلال هذه السنين الصعبة حقق ابن الأشعث عددا من
الانتصارات، وأعلن العصيان وخلع طاعة الخليفة، وآزره بعض من كبار التابعين الذين
انغروا بدعوته.
واضرب حال العراق، وسقطت الكوفة والبصرة في أيدي
المتمردين، وعرض عليهم الخليفة خلع الحجاج، لكنهم رفضوا وأصروا على القضاء على
الدولة الأموية.
لكن استطاع الحجاج بمساعدة جيش الشام بالقضاء على الفتنة في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ ـ 702 م)، وراح ضحية هذه الفتنه أعداد عظيمة من المسلمين.
إنجازاته :
ومن أهم إنجازات الحجاج هي :
- تعريب الدواوين؛ مما مكن العرب للمرة الأولى من شغل الوظائف الإدارية بعد أن كانت حكراً على الفرس
- تنقيط المصحف، وأمره بتشكيل المصحف بالتفصيل، ونسب إليه تجزئة القرآن ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه
- بعث بقتيبة بن مسلم ففتح العديد من الممالك والمدن الحصينة الواقعة على حدود الصين، المتاخمة لإقليم ما وراء النهر ونشر الإسلام في تلك المناطق بأمر من الحجاج، وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
- فتح مدن وادي السند على يد محمد بن القاسم الثقفي
وفاته :
أصيب الحجاج في آخر عمره بمرض في المعدة، وتوفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ = 9 من يونيو 714م).
ولم يترك إالا ثلاثمائة درهم، ومصحفاًَ وسيفاً ومائة درع موقوفة.
النهاية :
كان الحجاج رجلاً مبيرا سفاكاً للدماء فلقد ولِّي السلطة في زمن يكثر فيه الفتن والثورات وكانت الشدة هي السبيل الذي إتبعه الحجاج في إخماد الفتن والثورات، لكن وعلى عكس ما يقال عنه لم يقتل الحجاج أحداً من أشراف بني هاشم قط.
كان الحجاج محباً للقرآن حباً جماً، وكان يعطي الكثير من الأموال لأهل القرآن.
وأنشد الحجاج قائلاً عندما حضرته الوفاه :يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الْأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا - بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ / أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ ؟!! وَيْحَهُمُ - مَا عِلْمُهُمْ بِعَظِيمِ الْعَفْوِ غَفَّارِ "
المصادر :
- الطبري « تاريخ الرسل والملوك »
- ابن كثير « البداية والنهاية »
- الحجاج بن يوسف.. للحقيقة ألف وجه، أحمد تمام
- الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه، د. محمود زيادة
- ابن تيمية « الجواب الصحيح »
- ابن تيمية « الرد على المنطقيين »
ليست هناك تعليقات: